أدبيات

تجمّع نساء زنوبيا

قبل أيامٍ أعلنت النساء في مؤتمرٍ تأسيسي بمدينة الرقة السورية تحت شعار: “بنضال المرأة المنظم سنحمي ثورتنا ونصنع السلام”، عن تنظيمٍ نسائيٍّ جديدٍ تحت اسم: “تجمّع نساء زنوبيا”، يمثل جميعَ النساء من مناطق الطبقة والرقة ودير الزور.
تجمّعُ نساء زنوبيا أخذ تسميتَه من اسم ملكة تدمر “زنوبيا” التي عُرِفَتْ بتمردها التاريخي، والتي حكمت سوريا لسنين طويلة، حيثُ عُرِفت بشجاعتها وثقافتها في التاريخ واللغة، واشتُهِرَت أيضاً بالسيدة المحاربة. في وقت من الأوقات أصبحت تلك الملكة مُلهِمة المثقفين وأيقونةَ الحركة النسائية ومصدرَ إلهامٍ بالنّسبَة للمثقفين في المنطقة لما ذاع صيتها.
تأسيسُ تجمّع نساء زنوبيا خطوةٌ لاقتْ ردودَ فعل إيجابيَّةً، حيث تعتبر هذه الخطوة الأولى من نوعها في المناطق المحررة حديثاً من يد داعش، مثل: الرقة والطبقة ودير الزور في سوريا، خاصةً بعد أن عانت المرأةُ في هذه المناطق التهميشَ المُتعمَّد وواجهت أساليبَ وحشيَّةً وبشعةً لطمس وجودها إبَّانَ سيطرة التنظيم الإرهابي على المنطقة وارتكابه أبشعَ أنواع الانتهاكات بحقها ومنعها من أبسط حقوقها في الحياة.
بعدَ أربعِ سنوات على تحرير هذه المناطق من داعش الإرهابي، يعتبر تشكيلُ هذا التنظيم بدايةَ ميلادِ المرأة المناضلة المطالبة بالحرية والحياة الكريمة، بعد أن تمكَّنت من تنظيم ذاتها في المؤسسات والمجالات التنظيمية والسياسية كافَّة.
تكاتُفُ وتلاحمُ النساء معاً أثمرَ عن بروز “تجمّع نساء زنوبيا” الذي تمَّ على طول السنوات الماضية، لتوحيد فكر وإرادة المرأة والوصول من خلاله إلى مختلف أطياف النساء في سوريا، وتمكينهنَّ في المستويات جميعها؛ وليكونَ لهُنَّ بذلك دورٌ بارزٌ في قيادة المرحلة نحو الحلِّ السياسي في سوريا، وتحقيق آمال وتطلعات المرأة السورية، وإحلال السلام الدائم على الأرض السورية.
نعم، هذا التّجمع ما هو إلا ثمرةُ ما زرعتْه المرأةُ على مدار أربعِ سنوات في هذه المناطق.
اليومَ حفيداتُ زنوبيا في منطقةٍ ليست بعيدةً عن تدمر، البقعةِ التي حوَّلتْها زنوبيا إلى أسطورة، يعلنَّ عن تنظيمٍ ونهجٍ جديدٍ في مسار الحياة كي يمثلهُنَّ. نعم، الملكة زنوبيا تحدَّتْ روما، وأصبحتْ واحدةً من أعظم الملكات على مرِّ التاريخ، فقد جعلت من تدمرَ قوةً عُظمى في الشرق الأدنى؛ ولأنَّ صعودَها السريعَ ألهمَ الجميعَ كان لا بدَّ أن تكون هذه المرأةُ الفذةُ مضرباً للمثل وقدوةً يحتذى بها لهذا التنظيم النِّسْوِي الجديد الذي وُلِدَ من رحم المعاناة والمقاومة التي أبدتها المئات من النساء والفتيات من مختلف الشعوب، فقدمنَ أرواحهُنَّ فداءً لتراب الوطن وحمايةً للمكتسبات التي حقّقتْها المرأة.
في شمال وشرق سوريا حَرَاكٌ ثوريٌّ حقيقي، أثبتتْ فيه المرأةُ السورية بأطيافها وتنوّع مشاربها جدارتَها على كافة الساحات والميادين السياسية والثقافية والعسكرية والاقتصادية والإدارية، فبنتْ تنظيمَها الخاصَّ بها إيمانًا منها بقضايا تحرُّر المرأة ودورِها الفعّال في بناء مجتمعٍ ديمقراطي حر. فلعبتِ المرأةُ العربية دوراً أساسياً وفعَّالاً ونشطاً في هذه الثورة وتمكَّنت من ترك بصمةٍ مميَّزة فيها بتنظيمها الذي لا يزال مستمراً، وأصبحت مناراً للعالم أجمع، منوّهةً إلى أنَّ نضالَ ومقاومةَ وشجاعةَ المرأة ساهم في الحفاظ على مكتسبات الثورة وتحقيق مطالبها في الحياة الحرة الكريمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى