المكتبةمقالاتمقالات وحوارات

التطورات الكازاخستانية بداية نهاية الأزمة السورية

مع انطلاقة العام الجديد، ثمة مؤشرات تشهدها المنطقة؛ قد تلقي بظلالها على تحريك الملف السوري الذي مازال يمرَ بمرحلة التجميد من قبل الفاعلين الرئيسين للأزمة السورية؛ التي أصبحت بعد عقد من الزمن؛ غير ذات أولوية تذكر في سلم أولوياتهم، لانشغالهم بملفات تمس أمنهم القومي؛ وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية، والتي اقتصر حضورها على محاربة ومكافحة الإرهاب، والتي صرحت بذلك مراراً وجهاراً، إلى جانب تفرد روسيا منذ 2015 مع ممن يسمون أنفسهم بدول محور أستانا وسوتشي؛ الذي يتحالف فيه كل من روسيا وتركيا وإيران؛ كدول أصبحت متحكمة إلى حد بعيد بمسارات الأزمة السورية؛ التي ارتكزت على نقطة محورية في جولاتها السابعة عشر، والتأكيد على إعادة الجغرافيا السورية إلى سيطرة الحكومة المركزية في دمشق بالدرجة الأولى، بعدما خسرت ما يقارب أكثر من 70% من المجموع الإجمالي من مساحة سوريا في بداية الأزمة. من دون التطرق إلى حلول تساهم في إنهاء الأزمة أو حتى تخفيف من حدتها، بل على العكس تماماً، حيث اقتصرت على عمليات المقايضة في بعض الأحيان؛ وبشكل خاص بين روسيا وتركيا؛ وذلك بمقايضة مناطق مقابل أخرى، والنتيجة كانت احتلال تركي للعديد من المناطق السورية؛ والتي شهدت عمليات تطهير عرقي وتغيير ديمغرافي وتتريك بحق سكانها الأصليين، بل وأسهمت بشكل أو بأخر بتقسيم فعلي لسوريا.
وخلال عام 2021 شهدت الأزمة السورية تطور طفيف على مستوى تفاهمات أولية بين كل من روسيا وأمريكا، والتي اقتصرت على آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر تمديد تفويض معبر باب الهوى وغضّ الطرف الأمريكي ومراقبتها عن كثب ما ستؤول إليها الجولات المكوكية؛ التي قامت بها روسيا في زيارة بعض العواصم العربية لاستعادة النظام السوري إلى محيطه العربي؛ وذلك عبر تفعيل مقعد سوريا في الجامعة العربية؛ وإعادة تطبيع بعض الدول العربية مع حكومة دمشق. وأيضا تمديد خط الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية وغيرها من المساعي التي وصفت بمشروع “الخطوة بخطوة” كاختبار لمدى تجاوب النظام السوري مع المطالب العربية والقرارات الدولية؛ وبشكل خاص ترك المحور الإيراني والعودة إلى المحور العربي والإقليمي.
بالرغم من حدوث بعض التطورات عبر فتح بعض الحدود والسفارات والزيارات الرسمية إلى دمشق؛ والتي كانت في الماضي القريب من شبه المستحيلات، لكنها لم تحدث حتى الآن أية تطورات في مسار عودة النظام السوري إلى محيطه العربي والإقليمي، ومازال التعنت والإصرار والتمسك بالذهنية الالغائية ومازال المحور الإيراني سيد الموقف.
فآستانا في نسختها السابعة العشرة، والتي عقدت في نهاية العام المنصرم يبدو كأنها مصرّة في المضي قدماً في المحافظة على مسار الأزمة السورية على ماهي عليه. حيث لم تخف الحكومة الروسية رغبتها صراحة بالتعبير عن موقفها وتمسكها بالإبقاء على الأسد في سدة الحكم، والطلب بعدم المساس لصلاحيات الرئيس في الدستور في نقاشات اللجنة الدستورية. ومن ناحية أخرى رفض لأي حالة وطنية ديمقراطية تشهدها المنطقة؛ حيث أوعزت الدول الضامنة لآستانا صراحة بضرب الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والخارجة عن سيطرتهم.
لم تمر أيام قليلة على رعاية آستانا الكازاخستانية على مؤتمر الخاص بالملف السوري بنسختها السابعة عشر مع بداية العام الجديد؛ حتى شهدت نفس المدينة احتجاجات عارمة عمّت معظم أرجاء البلاد، رفضاً لسياسات الحكومة الكازاخية. والملفت للانتباه هو اضرام النيران في المبنى الذي شهد جميع القرارات التي كانت تخص الأزمة السورية برعاية روسيا وتركيا وإيران.
السؤال الذي يطرح نفسه، هل ما شهدته آستانا هي بداية نهاية تفرد دول محور آستانا في الأزمة السورية؟ وهل سيشهد الملف السوري بوادر تحركات على صعيد خطو خطوات في عملية انتقال سياسي؟
حيث لم تتردد روسيا في اتهام الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بأنها وراء مع تشهده كازاخستان من احتجاجات وشغب. والتدخل السريع لما تمثله كازاخستان من أهمية جيوستراتيجية؛ وللأمن القومي بالنسبة لروسيا، ربما يساهم بشكل أو آخر بتخفيف حدة التدخل الروسي في أوكرانيا وسوريا وغيرها من الملفات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة تعاني منها.
وبالتزامن ما شهدته كازاخستان من تطورات متسارعة لم تتردد تركيا من استهداف مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؛ وآخرها كان يوم الثامن من كانون الثاني، حيث قصفت قرى تل تمر وعين عيسى وكوباني؛ مخلفة جرحى وشهداء من المدنيين العزل وتدمير للمنازل؛ وخلق حالة قلق ورعب بين المدنيين، وكان استهدافها لمدينة كوباني يأتي بالتزامن مع الذكرى السنوية لتحريرها من إرهاب داعش المصادف في 26 كانون الثاني؛ ولما تمثله كوباني من رمزية عالمية في محاربة الإرهاب وبداية انكسار داعش فيها.
يبدو أن ما تقوم به تركيا وبالتزامن مع صمت مطبق من روسيا الدولة الضامنة منذ دخولها للمنطقة عقب الغزو التركي على مناطق تل أبيض ورأس العين بالحفاظ على المنطقة ومنع تركيا لشن أي عملية عسكرية.
فما تشهده مناطق الإدارة الذاتية من استهداف من قبل تركيا وبرضى وقبول ضمني من قبل روسيا وإيران؛ يؤكد أن تلك الدول –محور آستانا- تسعى كي تنفرد في مسار الأزمة السورية والمضي قدماً في تحقيق أجنداتهم فيها؛ والحفاظ على مسار آستانا ونسف القرارات الدولية الخاصة بالأزمة السورية والسعي لفرض مخرجات آستانا كأمرٌ واقع على مسارات الأزمة السورية.
لكن هل سيتمكن محور آستانا الصمود في ظل تعقيد التطورات التي تشهدها المنطقة؟ أم ستساهم التطورات في فرض مزيداً من الضغوط على دول محور آستانا؛ وذلك بتقديم تنازلات فيما يخص الأزمة السورية والبدء بعملية انتقال سياسي وفق القرارات الدولية؛ يتزامن مع تحرك أمريكي على الصعيد السياسي والاقتصادي في الملف السوري إلى جانب استمرارية مكافحة الإرهاب.
علامات استفهام كبرى تفرض نفسها على المتابع للأزمة السورية؛ وربما تبقى الإجابات في الوقت الراهن في – ظل المشهد الضبابي- محصورة في إطار طرح احتمالات مفتوحة، وما تحمله قادم الأيام من تطورات، ربما توضح معالم المستقبل بشكل أفضل

زر الذهاب إلى الأعلى