المكتبةمقالاتمقالات وحوارات

الفكر الحر لا يغتصب.. لذا عفرين حرة

بعد اجتياح رياح ثورات ربيع الشعوب بعض البلدان الشرق الأوسطية والأفريقية فكان لسوريا نصيب وافر من ذلك، والتي كان لا بد منها كنتيجة طبيعية على سياسات الاستبداد والاضطهاد وحجم التناقضات المتفشية والمتغلغلة في نسيج المجتمع السوري، حتى تسارع أبناء مدينة عفرين مدينة الزيتون والسلام والمحبة والتآخي إلى ركوب ثورات ربيع الشعوب بجانب إخوتهم من مكونات المجتمع السوري معلنين عن سلمية ثورتهم رافعين أغصان الزيتون لافتات تدعو للحوار والتآخي والعيش المشترك وأخوة الشعوب ودمقرطة الدولة.

نائين بأنفسهم عن الانخراط في الصراع مع أية جهة متخذين من الحوار ومبدأ الدفاع الذاتي نهجاً  لحماية مناطقهم من أية اعتداءات مؤمنين بإرادتهم وعزيمتهم بإدارة وحماية منطقتهم، لذا تسارعوا على خلاف بعض المعارضة السورية التي ارتهنت نفسها للخارج وحولت سوريا إلى ساحة للدمار والخراب إلى تأسيس إدارتهم الذاتية بمشاركة جميع أطياف المجتمع العفريني وبقيادة وريادة المرأة والشبيبة، إدارة تلبي تطلعات الشعب والثورة التي انتفض من أجلها الشعب السوري، إدارة تؤمن بمواطنة حقيقية ومشروع وطني، حققت خلال فترة وجيزة قفزات نوعية وعلى كافة الأصعدة على الرغم من تعرضها للهجمات من قبل الجماعات المتطرفة وحصار خانق من عدة قوات وجهات فاعلة في الأزمة السورية، ولكن أبناء عفرين تمكن من التغلب على شتى أنواع تلك الاستهدافات والحصار بالاعتماد على الاكتفاء الذاتي ومناهضة الحرب الخاصة التي لم تتوقف لبرهة بالنيل من نسيجها الاجتماعي وسلمها المجتمعي التي حافظوا عليها عبر تسلحهم وإيمانهم بفلسفة أخوة الشعوب والعيش المشترك، بقوة وحقيقة فلسفة الأمة الديمقراطية كانت عفرين مدينة السلام والإخاء والمحبة كجزيرة آمنة هادئة وسط مناطق تعيث فساداً ودماراً وصراعات وحروبا، وقلعة محمية من الداخل.

يمكننا الجزم بتسمية هذه المرحلة من تاريخ عفرين بالطفرة التي لم يشهدها تاريخ سوريا الحديث وربما المنطقة برمتها شعب يدير نفسه بنفسه، فعفرين لم تكن الملاذ الآمن لأبناء عفرين وحدهم بل تحولت إلى ملاذ آمن لاستقطاب إخوتهم السوريين الفارين من أتون الحرب من غالبية المدن والمحافظات السورية الأخرى.

أمام هذه المشاهد من الحياة التشاركية والسلم الأهلي والقفزات النوعية المتسارعة التي شهدتها عفرين، والتي كانت يوما بعد يوم تفشل المخططات الخارجية وتتحول إلى نموذج وأمل للشعوب المضطهدة.

وهذا ما لم يرق لأعداء الإنسانية وأصحاب المشاريع الاقتصادية والاحتلالية التوسعية في سوريا والتي أصبحت حجر عثرة ترهق مصالحهم وأجنداتهم في المنطقة.

فاستهدفت عفرين بمؤامرة دولية سعياً منهم لوأد هذه التجربة في مهدها، حيث توجت ذلك الاستهداف عبر مقايضة روسية – تركية وبصمت دولي الغوطة مقابل عفرين، منذ أربع سنوات من هذا التاريخ احتلت عفرين واغتصبت جغرافيا وما زالت دولة الاحتلال التركي ماضية في ممارسة جميع أنواع الجرائم والانتهاكات المنافية للمواثيق والعقود الدولية والإنسانية من تطهير عرقي وهندسة ديمغرافية، حيث لم يسلم منها البشر والحجر والزرع.

ولكن في الحقيقة ما يرعب أردوغان وأزلامه  بالرغم من احتلالهم لعفرين ولم يبقوا حجرا على حجر إلا أنهم يعلمون عين الحقيقة بأن عفرين مازالت حرة أبية، فأبناء عفرين عندما هاجروا بشكل جماعي عقب اجتياحها من قبل تتار العصر ومرتزقتهم من السوريين المتطرفين بعد مقاومة بطولية خاضتها وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية ولم يرضوا العيش تحت كنف الاحتلال والارتزاق وتفضيل العيش في مخيمات المقاومة والكرامة، فشعب ذاق طعم الحرية لن يرضى بالعبودية، الاحتلال هو احتلال للعقول والروح وهو ما فشلت فيه دولة الاحتلال التركي .

لذا دولة الاحتلال التركي ومنذ ذلك التاريخ مستمرة في قصفها لمخيمات المقاومة والكرامة للمدنيين العزل في منطقة الشهباء لكسر إرادتهم وثني عزيمهم لإرضاخهم إلى القبول بالأمر الواقع.

فما تقوم به دولة الاحتلال التركي من ممارسات وهندسة للتغيير الديمغرافي في عفرين سيلقي بظلاله على أمن واستقرار المنطقة والعالم برمتها، فعفرين اليوم تحت الاحتلال التركي تحولت إلى بؤر لتصدير الإرهاب والتطرف وهو ما يشكل تهديداً للأمن الوجودي الإنساني والعالمي.

 

ليلى موسى

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى