المكتبةمقالاتمقالات وحوارات

نساء ذقن طعم الحرية، فهزمن الإرهاب ولن يهزمن

طالما تحولت مدينة كوباني إلى أيقونة للإنسانية والعالم بانتصارها على الإرهاب والتطرف، انتصاراً غيَّر مجرى التاريخ، كتب حروفه بدماء الأحرار وصوب مسار حركة التاريخ. مساراً شكَّل بداية نهاية انهيار دولة الظلام والاستعباد وثقافة الكراهية والعداء، معلناً لبداية جديدة يسود فيها السلام والاستقرار وأخوة الشعوب والعيش المشترك.
انتصاراً غير من خارطة التحالفات، فمنها شكلت بداية تحالف دولي حقيقي في محاربة الإرهاب، انتصاراً شكل اللبنة الأولى للحفاظ على مبادئ الثورة السورية التي اتخذت من السلمية شعاراً ومن الدفاع مبدأً للحماية، وسوريا تنعم بالحرية والمواطنة الحقيقية والعدالة الاجتماعية، سوريا التي لا يفرق بين أبناء جلدتها لا قومية ولا دين أو مذهب أو طائفة، سوريا تجمعهم الوطنية فقط لا سواها.
كوباني كانت معركة ليست للسوريين فقط إنما لإخوتهم في الإنسانية جمعاء، كوباني التي روت ترابها واختلطت فيها دماء الكردي بالعربي والسرياني والشركسي والتركماني، وإخوتهم في الإنسانية ومن كافة أصقاع العالم من دعاة الإنسانية والسلام وثقافة المحبة والإخاء.
مدينة كمدينة كوباني التي كانت منسية على الخارطة ولم يسمع بها أحد، لكنها اليوم تحولت إلى أيقونة التحرر والحرية عالمياً، وتصدر اسمها جميع المواقع العالمية والإقليمية والمحلية. لم يكن أن تحصل طفرة التحول هذه من النسيان إلى العالمية لولا وجود قوة حقيقية كامنة استطاعت تغيير موازين القوى رأساً على عقب، إنها الإرادة الحرة لأبناء وبنات كوباني التي رفضت الانصياع والخنوع لإرادة الشر والظلام وتدنيس ترابها برجس الإرهاب والبغضاء والعداء وإبادة الآخر المختلف.
انتصاراً لم يكن من السهل تحقيقه لولا قيادة المرأة الحرة الواعية المسؤولة لتلك المقاومة الشرسة في مقارعة قوى التكفير والشر. المرأة باستعادتها لدورها الطبيعي في قيادة المجتمع بعد أن سلب منها لعقود من الزمن، بعد رحلة طويلة من البحث والاكتشاف والتي تكللت بإدراكها لذاتها ومجتمعها. وقيادة بهوية أنثوية نابعة من ذاتها وإرادتها الحرة المسؤولة، فخاضت نضالاتها بحماس منقطع النظير لا تعرف الهزيمة والملل، وإيماناً بقضيتها العادلة هزمت داعش. من منا لا يذكر الشهيدة أرين ميركان وعمليتها الفدائية والكثير من رفيقات دربها. فمعارك كوباني انتصرت بقيادة وريادة المرأة الحرة الواعية المسؤولة، تلك الروح والثقافة خلقت الآلاف وما زالت من النساء المناضلات في كافة ميادين الحياة.
نصراً خلدته بطلات كوباني فتحولن إلى هوية جامعة لجميع الشعوب التواقة إلى الحرية والتحرير، وأطلقت اسماؤهن على العديد من الساحات العامة والحدائق والأطفال في العديد من الدول، وأقيمت لهن معارض وأفلام وأُلِّفَت عنهن روايات وقصص تجسد دورهن البطولي في حماية الإنسانية واستتباب الأمن والسلم الدوليين. نساء تحولن إلى أيقونة لجميع النساء المناضلات في سبيل حريتهن في أرجاء العالم. بنضالهن حولن كوباني إلى قبلة استقطاب للباحثين والكتّاب والساسة والفنانين لدراسة تلك التجربة الفريدة في مقارعة الظلم والإرهاب، قبلة للأحرار والشرفاء، ولكن بالمقابل زاد من بغض وعداء وكراهية وشراسة أعداء الإنسانية والسلم والأمان عليهن.
نساء كشفن المخططات العدائية الاحتلالية التوسعية لقوى الشر والظلام، وقفن حجر عثرة أمام مخططاتهم وأجنداتهم المناهضة لطموحات شعوب المنطقة، قوى تستمد أمنها الوجودي والبقاء في السلطة عبر استعباد المرأة واضطهادها.
تلك القوى الرافضة للآخر المختلف والحياة التشاركية، كانت ترى هذه المبادئ بمثابة نهاية لوجودها. لذا، زادت من هجماتها على نموذج المرأة الحرة المسؤولة الواعية. فنجد ومنذ هزيمة ما تسمى دولة الخلافة داعش ميدانياً وعسكرياً -أدوات حكومة العدالة والتنمية- وفشلها في تحقيق أجنداتها الاحتلالية التوسعية في المنطقة والمناهضة لشعوبها.. تدخل حزب العدالة والتنمية هذه المرة بشكل مباشر لاستهداف المرأة لأنه يعلم يقيناً أنه بالقضاء على هذا النموذج من النساء سيكون من السهل تمرير مشاريعه الاحتلالية التوسعية في المنطقة. لذا نجد في كل مرة يقوم باستهداف نساء قياديات في كوباني، بالأمس كانت زهرة بركل ورفيقاتها واليوم روناهي كوباني ورفيقات دربها “ديلارا كوباني، وكوباني” عبر عمليات جبانة باستخدام طائرات من دون طيار.
نساء اتخذن من كوباني أيقونة العالمية في الحرية والتحرر اسماً أو نسباً لهن سيخلد أسماءهن في التاريخ وسيحمل العشرات من بعدهن أسماءهن وسلاحهن وقضيتهن مثلما سلكت روناهي درب أرين وغيرها من المناضلات، وهناك من سيكملن مسيرة روناهي ورفيقاتها.
جميع محاولات الفاشية التركية من أجل الثأر لداعش عبر استهداف المرأة والزج بالمئات من الشعب الكردي والتركي الذين ناصروا مقاومة كوباني في السجون تحت حجج وذرائع واهية، لن يزيد المرأة الحرة الواعية سوى المزيد من الإصرار والعزيمة والتمسك بقضيتها وقضية شعبها وإعلاء مستوى المقاومة.
كوباني أيقونة العالم في الحرية والتحرر، كوباني الإنسانية، كوباني صمام الأمان في حماية السلم والأمن الدوليين في ظل الفوضى الخلاقة المستشرية، تتعرض اليوم مرة أخرى للإبادة والإرهاب من قبل حكومة العدالة والتنمية وأدواتها في المنطقة. باستهداف كوباني سيكون هناك قبلة حياة متجددة وانتعاش لداعش.
لذا مثلما بدعمكم ووقفتكم إلى جانب كوباني حققت النصر المظفر على الإرهاب في السابق، اليوم يتطلب من العالم وإخوة كوباني في الإنسانية مرة أخرى كسر حاجز الصمت وإعلان التضامن معها ورفض الاعتداءات التركية المنافية لجميع المواثيق والأعراف الدولية والإنسانية، وضربها عرض الحائط بالاتفاق الروسي التركي والتركي الأمريكي لعام 2019 الذي أبرم على خلفية غزوها واحتلالها لسري كانيه “رأس العين” وكري سبي “تل أبيض” بحق كوباني والشمال السوري عموماً، والوقوف معاً في وجه آلة الإرهاب والاحتلال وحماية الاستقرار والأمن والسلم الدوليين.

ليلى موسى 

زر الذهاب إلى الأعلى