المكتبةدراسات وابحاث

قضية التعصب الجنسوي الاجتماعي، الأسرة ، المرأة والتعداد السكاني

بما أن الرؤية الرجولية قد خلعت عليها مسحة من المناعة والحصانة فإن تحطيم العمى المعني بالمرأة بمثابة ضرب من تحطيم الذرة ، إذ يتطلب بذل جهود فكرية عظمى وكسر شوكة الرجولة السلطوية .

إن النظر إلى المرأة كجنس بشري له فوارقه البيولوجية، يتصدر العوامل الأساسية للعمى فيما يخص الواقع الاجتماعي. إذ من المحال أن يكون  الاختلاف الجنسي بمفرده سبباً لأية قضية اجتماعية كانت.

فمثلما لا يتم تناول ثنائية الاختلاف كل ذرة لأي كائن حي في الكون على أنها معضلة، كذا الثنائية في وجود الإنسان أيضاً لا يمكن تعاطيها كقضية. أما الجواب عن سؤال ” لماذا الوجود الثنائي ” فلا يمكن إلا أن يكون فلسفياً، قد تبحث التحليلات الأنطولوجية (علم الوجود) عن جواب لهذا السؤال وليس القضية   أما جوابي فكالتالي: لا يمكن تأمين وجود الوجود خارج إطار الثنائية. الثنائية هي النمط الممكن للوجود فحتى لو لم تكن المرأة والرجل بحالهما القائمة، وكانا منفردين (لا قرين لهما) فلن يستطيعا الخلاص من تلك الثنائية.

هذا هو الحدث المسمى بالجنسانية المزدوجة (الخناثة) ينبغي عدم الاستغراب. لكن الثنائيات ميالة دوماً للتكون المختلف، ولدى البحث عن برهان فيما يتعلق بالذكاء الكوني المطلق بالمقدور البحث عنه في ميول هذه الثنائية أساساً فإن كلا طرفي الثنائية ليسا جيدين أو سيئين. بل هما مختلفان لا غير.

ويجب أن يكونا مختلفين بالضرورة فإذا ما تماثلت الثنائيات فمن المحال تحقق الوجود. وعلى سبيل المثال من المستحيل عندئذ حل قضية التناسل في الوجود الاجتماعي من خلال امرأتين أو رجلين. تأسيساً عليه فسؤال ” لماذا المرأة أو الرجل ” لا قيمة له. وإذا كان لابد من جواب عليه فبالمستطاع إعطاء جواب فلسفي مفاده أن الكون يجب أن يتكون هكذا بالضرورة (مرغماً، ميالاً، عاقلاً، راغباً) لا غير.

من هنا فالبحث والتمحيص في المرأة باعتبارها كثافة العلاقات الاجتماعية، ليس ذا معنى فحسب بل ويتسم بأهمية قصوى من حيث تخطي ( تفكيك ) العقد الاجتماعية  العمياء أيضاً .وبما أن الرؤية الرجولية السلطوية قد خلعت عليها مسحة من المناعة والحصانة فإن تحطيم العمى المعني بالمرأة بمثابة ضرب من تحطيم الذرة ، إذ يتطلب بذل جهود فكرية عظمى وكسر شوكة الرجولة  السلطوية .

أما في جبهة المرأة فينبغي تحليل وتفكيك المرأة المنشأة اجتماعياً في الأصل ، والتي تكاد تجعل من ذلك نمطاً وجودياً لها ، وتحطيمها بالمثل فالإحباطات المعاشة في نجاح أو فشل كل كفاحات الحرية والمساواة والديمقراطية  والنضالات الأخلاقية والسياسية والطبقية ( العجز عن تجسيد اليوتوبيا والمناهج والمبادئ في الحياة العملية ) مشحونة بأثار شكل العلاقة الحاكمة ( السلطوية ) التي لم تتحطم فيما بين المرأة والرجل ذلك أن العلاقات المغذية لشتى أنواع اللامساواة والعبودية والاستبداد والفاشية والعسكراترية تستقى مصدرها اللعين من شكل العلاقة ذاك . بالتالي إذ كنا نود إضفاء السريان الذي لا يسبب خيبة الأمل والإحباط فيما يتعلق بالكلمات التي طالما يدور الحديث عنها، من قبيل المساواة والحرية والديمقراطية والاشتراكية فينبغي حينها تفكيك وتمزيق شبكة العلاقات المنسوجة حول المرأة .

والتي هي قديمة بقدر قدم علاقة الطبيعة والمجتمع، وفيما خلا ذلك مامن سبيل أخر يؤدي إلى الحرية والمساواة (الملائمة للفوارق) والديمقراطية الحقيقية والأخلاق غير الازدواجية .منذ ظهور الهرمية أضفي المعنى على التعصب الجنسوي كأيديولوجية السلطة ، إنه مرتبط عن كثب بالتحول الطبقي والسلطوي .

كل البحوث والمشاهدات الأثرية والأنثروبولوجية  الراهنة تدل على أنه ثمة مراحل كانت المرأة فيها منبع الاقتدار ، وأنها استمرت مدة طويلة من الزمن . هذا الاقتدار ليس بسيطرة السلطة المتأسسة على فائض الإنتاج بل العكس إنه إقتدار ينبع من االعطاء والإنجاب ويعزز الوجود الاجتماعي ذلك ان الذكاء  العاطفي الذي لايبرح قوي التأثير لدى المرأة ، له أواصره الوطيدة مع ذاك الوجود وعدم احتلال المرأة مكاناً ملحوظاً في حروب السطلة المتأسسة على فائض الإنتاج وكذلك نمط وجودها الاجتماعي إنما مرتبطان بوضعها هذا .

تشير اللقى التاريخية والمشاهدات اليومية بجلاء ساطع إلى أن الرجل لعب دوراً ريادياً في تطور السلطة المتمحورة حول النظام الهرمي والدولتي ولتحقيق ذلك كان ينبغي تخطي وكسر شوكة اقتدار المرأة  المتنامي حتى أخر مرحلة من المجتمع النيوليتي .

هذا وتؤكد اللقى التاريخية والمشاهدات اليومية مرة أخرى أنه تم خوض صراعات ضارية متنوعة الأشكال وطويلة المدى ضمن هذا السيا ق والميثولوجيا السومرية بالأخص منيرة للغاية ، وكأنها تكاد تكون ذاكرة التاريخ والطبيعة الاجتماعية .

تاريخ المدنية هو تاريخ خسران وضياع المرأة في الاوقت نفسه  ، هذا التاريخ بآلهته وعباده ، بحكامه وأتباعه ، بأقتصاده وعلمه وفنه هو تاريخ رسوخ شخصية الرجل المسيطر . بالتالي فخسران وضياع المرأة يعني التهاوي  والضياع الكبير باسم المجتمع والمجتمع المتعصب جنسوياً هو ثمرة هذا السقوط والخسران ، فالرجل المتعصب جنسوياً يتميز بنهم كبير لدى بسطه نفوذه الاجتماعي على المرأة لدرجة أنه يحول أي تماس معها إلى استعراض  للسيطرة إذ بسطت علاقة السلطة باستمرار على ظاهرة بيولوجية كالعلاقة الجنسية فلا ينسى الرجل بتاتاً إنه يضاجع المرأة جنسياً بنشوة الانتصار عليها .

لقد كون عادة جد وطيدة على هذا الصعيد وابتدع الكثير من العبارات مثل” تمكنت منها ” ، ” أنهيت أمرها ” ” العاهرة ” ، لا تنقص المني من رحمها ، ولا العصا عن ضهرها  ، الفاحشة ، المومس ، إنه صبي كالبنت ، إذا ما أطلقت عنان ابنتك فستهرب إلى الطبال أو الزمار ، اعقلها فوراً ” وغيرها من القصص غير المعدودة التي يضرب بها المثل  ، ساطع سطوع الشمس كيف تؤثر العلاقة بين الجنسوية والسلطة ضمن المجتمع فحتى يومنا الراهن يتمتع الرجل بحقوق لا معدودة على المرأة بما فيها ” حق القتل ” كواقع سوسيولوجي قائم وتمارس تلك الحقوق يومياً .

بالتالي  فالعلاقات تتسم بطابع الاعتداء والاغتصاب بنسبة ساحقة ، أنشئت الأسرة كدولة الرجل الصغيرة بموجب هذا المنظور الاجتماعي ، وماالرسوخ المستمر للمؤسسة المسماة بالأسرة بنمطها الحالي على مر تاريخ المدنية إلا بسبب القوة التي تزودها بها أجهزة السلطة والدولة ، أولاً يتم فرض التحول السلطوي على الأسرة  بالتمحور حول الرجل ، لتغدو خلية مجتمع الدولة  ،ثانياً يتم ضمان عمل المرأة فيها بلا حدود أو مقابل .

ثالثاً : تنشئ الأولاد بغرض تأمين  الحاجة السكانية اللازمة ، رابعاً : تؤدي دور النموذج في نشر السقوط والتردي والعبودية بين صفوف المجتمع بأكمله .

في الحقيقة الأسرة بمضمونها هذا تعد أيديولوجية . إنها المؤسسة التي نشطت فيها الأيديولوجية السلالاتية تلك تأثيرها البليغ المتستر وراء النظر إلى الأسرة كواقع جد هام ، وبقدر مايزداد عدد النساء والأطفال في الأسرة  يتمتع الرجل بالضمان والشرف بالمثل من المهم أيضاً تقييم الأسرة بوضعها الحالي كمؤسسة أيديولوجية فإذا ماسحبتم المرأة والأسرة بوضعهما القائم من تحت نظام المدنية ، أي السلطة والدولة فلن يتبقى إلا النذر القليل باسم النظام .

إلا أن ثمن هذا الطراز هو نمط وجود المرأة المؤلم والبائس والمقهور والمتردي والمهزوم في ظل حرب دائمة منخفضة الشدة ولا هوادة فيها وكأنه ” احتكار الرجل ” المسلط على عالم المرأة كسلسلة احتكارية ثانية موازية ومشابهة لم فرضته احتكارات رأس المال على المجتمع طيلة تاريخ المدنية . بل هو الاحتكار الأعتى والأقدم عمراً من هنا فتقييم وجود المرأة بعالم المستعمرة الأقدم سيؤدي إلى نتائج أكثر واقعية من الأصح نعت النساء بأقدم شعب مستعمر لم يصبح أمة .

أما الحداثة الرأسمالية ، فكما أنها لم تصير الوضع المتوارث حراً تسوده المساواة رغم كل الترتيبات الليبرالية البراقة فقد اضافت إليه وظائف جديدة على عبء المرأة فاقحمتها في وضع أشد وطأة  من سابقه فالاوضاع من قبيل العاملة الأرخص ، عاملة المنزل ، العاملة المجانية ، العاملة المرنة ، والخادمة تشير إلى وضع أشد وطأة . وفوق هذا ، تجذر استغلالها أكثر فأكثر ككائن أو كأداة مفضلة في الإعلام المصور والدردشة والدعايات ، فحتى جسدها يبقى عليه ضمن مضمون مستوى السلعة التي لا غنى لراس المال عنها كونها أداة الاستغلال الأكثر تنوعاً ، إنها أداة الدعاية المثيرة على الدوام  ، وبأقتضاب هي أكثر ممثلي االعبودية العصرية وأثمن من العبد الذي يدر الأرباح الطائلة ويكون أداة متعة لا محدودة في آن معاً ؟

القضية السكانية على علاقة كبيرة مع التعصب الجنسوي والاسرة والمرأة فسكان أكثر يعني رأس مال  أكبر . وأمرأة المنزل هي مصنع السكان ويمكننا تسميتها بمصنع إنتاج البضائع أي ” الذرية ” الأثمن المهداة للنظام ، والتزايد السكاني يهلك وينهك المراة بالاكثر ، الامر كذلك في أيديولوجية السلالات أيضاً فالنزعة العائلية التي تمثل  الأيديولوجية المفضلة للحداثة هي المرحلة الأخيرة التي بلغتها السلالاتية أيضاً فالنزعة العائلية التي تمثل الأيديولوجية المفضلة للحداثة هي المرحلة الأخيرة التي بلغتها السلالاتية كل هذه الأمور أيضاَ تتكامل زيادة عن اللزوم مع أيديولوجية الدولتية القومية فما الذي عساه يكون أثمن من تنشئة الأولاد باستمرار لأجل الدولة القومية ؟

فالمزيد من سكان الدولة القومية يعني المزيد من القوة وهذا مفاده أن مايقبع وراء الانفجار السكاني ليس سوى المصالح الحياتية لأحتكارات رأس المال والرجل المنظمة بتراض ، بمعنى أخر فكل المشقات ، القهر ، الإهانة ، الألام ، الإتهامات ن الحرمان والمجاعة من نصيب المرأة ، بينما مكاسبها ومتعتها من نصيب سيدها ورأسمالها ، مامن عصر في االتاريخ تجرأ على إبداء القدرة أو الخبرة في إستخدام المرأة كأداة للاستغلال من مناحي كثيرة بقدر راهننا .

إن المرأة تعيش أحرج فترات تاريخها من حيث كونها أول وأخر مستعمرة ، بيد أن شراكة الحياة المنسقة مع المرأة بفلسفة مفعمة بروح الحرية والمساواة والديمقراطية الجذرية ، تمتلك الكفاءة التي تخولها لتأمين أعلى مستويات الكمال في الجمال والفضيلة والصواب ، أنا شخصياً أرى الحياة مع المرأة ضمن الأوضاع القائمة معضلة إشكالية بقدر ماهي قبيحة وسيئة وخاطئة .

والحياة مع المرأة في ظل الأوضاع القائمة هي من أكثر المواضيع التي تضعف فيها جرأتي منذ الطفولة ذلك إن موضوع البحث هو حياة تتطلب المساءلة في  غزيرة وطيدة للغاية كالغريزة الجنسية ، فالغريزة الجنسية إكرام  لأجل ديمومة الحياة . وهي معجزة الطبيعة التي تستحق التقديس ، لكن احتكار رأس المال والرجل قد لوث المرأة لدرجة أن هذه المهارة التي تعد معجزة الطبيعة قد صيرت مؤسسة منحطة بالأكثر وبمثابة ” مصنع الذرية ” المنتج للسلع وبينما يقلب المجتمع رأساً على عقب بهذه السلع فإن البيئة أيضاً تشهد الانهيار لحظة بلحظة تحت وطأة التضخيم السكاني ( تعداده حالياً ستة مليارات فلنتصور الييئة لدى بلوغه عشرة مليارات أو خمسين ملياراً إن استمر بهذه الوتيرة ) .

لا ريب أن العيش مع امرأة وأطفال يعتبر في جوهره مقدساً ومؤشراً على أن الحياة لن تنضب مما يشعر بالخلود أو ثمة شعور أثمن من ذلك ؟ فكل نوع يحيا نشوة التطلع إلى الخلود انطلاقاً من هذه الحقيقة .

لكن هذا الوضع لدى إنساننا الراهن بالأخص ، يعاش في المستوى الذي قال فيه أحد الشعراء ذريتنا بلاء على رؤوسنا ” من هنا محال إنكار كوننا ، مرة أخرى وجهاً لوجه  أمام أفدح رذالة وقبح وخطأ لأحتكار رأس المال والرجل والذي يتعاكس مع الطبيعتين الأولى والثانية .

 

مقتطفات من تقيمات القائد حول المرأة والتعصب الجنسوي

 

زر الذهاب إلى الأعلى