المكتبةدراسات وابحاث

الدفاع الذاتي احد أهم الأركان الرئيسية في بناء الأمة الديمقراطية…

في الكتاب الخامس هناك تقييمات القائد حول الأمة الديمقراطية هي تسع أقسام، قسم منها عن الدفاع الذاتي. إذا كانت الأمة الديمقراطية نموذجاً لحياة الإنسان ونموذجاً للمجتمع، إذاً بدون الدفاع الذاتي لا تبنى الأمة الديمقراطية. بدون الدفاع الذاتي لا يمكننا الحديث عن الأمة الديمقراطية إطلاقاً. كل الكائنات في الطبيعة، تضمن بقاءها بدفاعها الذاتي. لا توجد هناك كائن بدون حماية ذاتية. كل كائن تحمي نفسها بشكلها الخاص.

يمكننا تسمية حماية الكائنات لذاتها بحماية غريزية أو عاطفية، وهذه موجودة في كل الكائنات. وجود الكائنات مرتبط بثلاثة خصوصيات وهي: 1- الغذاء 2- التكاثر 3- الحماية. لذلك فالحماية هي ضمان الوجود والبقاء. إذا لم تكن هناك حماية محال أن تكون هناك حياة. الكائنات التي لا تحمي نفسها إما تموت أو تكون عرضة للكائنات الأخرى. لذا وجود الكائنات مرهون بحمايتها الذاتية، هذه بمثابة قانون بالنسبة لكافة الكائنات. بالنسبة للإنسان الوضع مختلف هنا بعض الشيء. يحمي الإنسان نفسه بمعرفته وغريزته وبمجتمعيته وعلمه الأحياء. الإنسان له شكلين من الحماية: 1- الحماية بالغريزة 2- الحماية بمجتمعه. هذان النقطتان أساسيتان بالنسبة للإنسان. إذا لم تكن هناك حماية، لا تبنى المجتمعية. إذاً مجتمعية الإنسان تبنى على الحماية. إذا كان الإنسان بمجتمعيته يصبح إنسانًا؛ إذاً بدون حماية لا يصبح الإنسان إنساناً . الإنسان، أو الشخصُ الذي يقول لنفسه أنني إنسان، يجب أن يحمي نفسه\نفسها.

إذاً الحماية شيء بيولوجي ومجتمعي، ولا يترك لأحد. هناك بعض الآراء بين الشعوب مفادها؛ أن الجيش أو الدولة هي التي تحمي الإنسان. هذا عار عن الصحة، خداعٌ  وانحرافٌ وتلاعبٌ وبعيدةٌ كل البعد عن الحقيقة. حق الحماية هي حق مشروع ومقدس ولا يترك لأحد. لا أحد يقوم بالحماية بدلاً عن الآخر. مرةً أخرى أقول الحماية شيءٌ؛ إذا لم يفعلها الشخص أو الكائن عندئذ سيبتعد عن كونه إنساناً ويصبح في خدمة الآخرين، وسيكون تابعًا ولعبة في أيدي الآخرين، ويجب الابتعاد عن ذلك.

تلك هي مبادئ الأمة الديمقراطية. الأمة الديمقراطية تود أن يعيش الإنسان أو المجتمعات على هويتهم الحرة أي كما هي،  في أن تعود إلى  حقيقتها, إلى جوهرها ولا تتم هذا؛ إلا بالحماية .هذا لا يختلف إن كان كرديًّ، تركيًّ أو عربيًّ، أم علويًّ، سريانيًّ أو ايزيديَّ، أمم أم مجموعات صغيرة، من كان فليكن، إذا أراد العيش بهويته، يجب عليه أن يبني دفاعه الذاتي. إذا لم يبني دفاعه الذاتي، فهو لا يؤمن بوجود نفسه ولا بهويته ولا بإيمانه، عندئذ وجوده موضع النقاش. هذه هي القاعدة الأساسية، لهذا يجب ان نأخذ الدفاع أساساً لنا في الأمة الديمقراطية. عندما نقول الدفاع الذاتي، نعني بهِ الدفاع التي تأتي من الذات نفسه، أي من ذاته البيولوجي، من ذاته المجتمعي. عندما يقال الحماية طبعاً نخص بالذكر عن وجودنا. أي استمرارية وجودنا هي نموذج دفاعنا. كيفما كانت فلتكن، وبأي طريقة كانت فلتكن، استمرار وجودنا هي دفاعنا الذاتي. أساس المسألة هنا. هل سنستمر في وجودنا أم لا؟ هل لقوة ما في أن تستمر في وجودها أم لا؟ القوة التي تريد أن تستمر في وجودها ستجرب كافة الطرق والوسائل.

لذا بدايةً، إذا كانت هناك هجمات على الإنسان بهدف الإبادة الجسدية؛ لأجل بقاءِهِ واستمراريةِ وجودِهِ (فيزيائياً) يحق له\لها الدفاع عن نفسه بالسلاح. لأن الخطر أصبح في مرماه؛ وهناك خطرُ نسفِهِ ومَحَّوِهِ من الوجود. حيث إذا كان هناك خطر الإبادة الجسدية، الدفاع المسلح خارجاً، الدفاعات الأخرى غالباً ما ليس لها قيمة. كما قلنا هذا إذا كان هناك خطرُ إبادته جسدياً أو أن الخطر أصبح على مقرُبَةٍ منه، حينها الدفاع الذاتي يقوم بدوره. كيف أن حيوانً يهجم على الآخر، تلك الحيوان تدافع عن نفسها بكافة قِواها وتقاوم، وفي نهاية المطاف تخرج إما غالبا أو مغلوبا. والإنسان أيضاً، إذا تعرض لخطر الإبادة الجسدية، يجب أن يجرب كافة السبل المتاحة لحماية نفسه وعلى رأسها الدفاع المسلح.

الحداثة الرأسمالية لا تهاجم بالسلاح فقط ، لها أشكال متنوعة ؛ تستهدف الشعوب ثقافياً وإيديولوجياً واجتماعياً وحياتياً. مقابل كل هذا، يجب بناء نظام دفاعي. يجب بناء نظام حماية ثقافي وإيديولوجي ولغوي في أنٍ واحد، لتفادي الوقوع في بوتقة الحداثة الرأسمالية. هناك مقولة في الطب تقول: ” المعالجة الطبية هي طب الوقاية ” المداواة الطبي؛ عند بدء المرض، يتم المعاينة ووصف الدواء ولكن طب الحماية تبحث في مسببات المرض وتعيق تقدمها. لأجل الحماية شيء كهذا يمكننا فصلها عن بعضها، لأجل الخطر القريب الدفاع المسلح ضروريٌّ. ولسد الطريق أمام هذه الهجمات وأن لا ندع أرضية لها، بإمكاننا أنشاء وسائل حماية كطب الحماية من جميع النواحي. حماية أيديولوجية، حماية ثقافية، حماية لغوية و حماية حياتية وغيرها.هل الحداثة الرأسمالية بهجماتها تستهدف هذه الميادين؟ نعم، تستهدف. هل الحداثة الرأسمالية تسعى لإضعاف المجتمع؟ نعم، تسعى. هل الحداثة الرأسمالية بهذا الهجمات تدع المجتمع تخرج من كونه مجتمعاُ؟ نعم تفعلها. إذاً الحماية ضروريَّ وملزم، مقصدنا ليس فقط الحماية المسلحة؛ الحماية الأيديولوجية أيضاً. لذلك سمى القائد  كتابه الأخير “دفاعاً عن الكرد المحصورين بين فكي الإبادة الثقافية.”  (شعب بين فكي الإبادة الثقافية) إذاً أنها بحاجة إلى حماية ثقافية. شخصاُ كان أم مجتمعاً كان، كيف سيحمي ثقافته؟ هذا مثال ومهم للغاية. إذا لم يسأل شعبٍ هذا السؤال من نفسه، وإذا لم يحدد له إستراتيجية، سينصهر ذلك الشعب وتفنى ثقافته. بعد ذلك أما ثقافة ذلك الشعب ستصبح في خدمة ثقافات الشعوب الأخرى أو تفنى. كذلك بالنسبة للغة.

الحداثة الرأسمالية تكثف هجماتها بلغات متعددة ومشتركة ولها وسائلها المؤثرة في هذا الموضوع. شعبٌ إذا أراد حماية نفسه، ولم يحمي لغته. حينها إما سيمحى لغته من الوجود أو ينصهر في بوتقة اللغات الأخرى. كذلك بالنسبة لتاريخيه، ولحياته. لذلك يجب أخذ التدابير الحماية من الجانبين: 1 – الحماية الحياتية.2- الحماية المسلحة. كل إنسان لديه المقدرة في أن يحمي نفسه، يجب أن يحمي نفسه. كمثال الأديان.في احد الاحاديث الشريفة يسالون محمد صلى الله عليه وسلم “من هو الإنسان الحسن؟ من هو الإنسان المثمن ؟ من هو المسلم الحقيقي؟” يجاوب: “هو ذاك الشخص الذي يناضل ضد الظلم.” يسألون، كيف؟ يجاوب: “الذين يناضلون بسيوفهم ضد الظلم. إن ما استطاع بالسيف، عليه النضال بحديثه. إن ما استطاع عليه النضال بِدُعائِهِ.” إذاً الإنسان الحسن والمقدس والمقبول هو ذاك الإنسان الذي يصمد ويناضل ضد الظلم. إن استطاع،عليه بالسلاح، وإن لم يستطع. عليه بفمه. وأن لم يستطع، عليه بِدُعائِهِ ومن القلب.

الأمة الديمقراطية تحضن كافة الشعوب وتحييها، لكل شعب لها مكانتها في الأمة الديمقراطية، في الأمة الديمقراطية لا توجد إبادة الثقافات ولا إمحاء اللغات أو أضعاف الشعوب وإفناءِها. إن كثرة اللغات والثقافات والأديان المختلفة تعزز من مكانة الأمة الديمقراطية. هذه هي مبادئ ومقاييس الأمة الديمقراطية. إن كثرة الشعوب في الأمة الديمقراطية تعززها، والتقليل فيها تضعفها. في الثقافة الواحدة، اللغة الواحدة، الشعب الواحد لا تتطور الأمة الديمقراطية، كرقم ممكن ولكن صعب جداً. الأمة الديمقراطية مناهض للنموذج الأحادي.  الدفاع الذاتي هي التي ستتيح الطريق لبناء الأمة الديمقراطية. هناك جانبها التاريخي والمجتمعي.

والشاهد العيان على ذلك، هناك هجمات يوميةعلى الشعب الكردي. هناك هجمات للقضاء على وجود الكرد، هناك إبادة،  فالمجزرة التي حدثت في آمد أودت بحياة خمس شبان واستشهادهم وقبلها في الانتخابات فجروا قنابل في أضنة ومرسين. الهجمات التي على مكاتب HDP في الانتخابات، ، كذالك عمال الكرد الذين كانوا يذهبون إلى المدن الكبرى للعمل في أعمال البناء والأراضي وبقاءهم مع الهجمات وجهاً لوجه، واستهداف الطلبة الكرد في الجامعات وغيرها كلها علامات تدل على أن الشعب الكردي بحاجة ماسةٍ إلى حماية ودفاع ذاتي.

كما أن اللغة الكردية أيضاً تحت النير والهجمات، لا تلقى الأهمية المطلوبة. ينكرونها، حتى الأمس كانوا يقولون ليست هناك لغة أسمها اللغة الكردية، كانوا يقولون أن اللغة الكردية ليست لغة أدب، ليست لغة فلسفة وأنها لا تصلح للتدريس والتعليم، وإن أرادوا  التحدث فيها فليذهبوا إلى حيث أو إلى بيوتهم وليتحدثوا فيها، غالباً ما يتم احتقارها من قبل بعض الساسة الأتراك. لذلك نحن بحاجة ماسة إلى حماية للغتنا وثقافتنا وتراثنا ومعتقداتنا لأنه هناك خطر حقيقي. بناء الأمة الديمقراطية صعب جداً إن لم يكن هناك دفاع ذاتي. الدفاع المسلح  والأيديولوجي والثقافي مهما كان غير كافي. لذا يجب أن نأخذها كمبدأ كمفهوم كمقياس في حياتنا اليومية.  الشخص الذي لا يحمي نفسه، المجتمع الذي لا يحمي نفسه، الثقافة التي لا تحمي نفسها لا أمل منها. الموتى لا يستطيعون حماية أنفسهم. والذين لا يحمون أنفسهم أصلاً هم موتى. الحماية يلزمها التجديد، يلزمها الأحياء، يلزمها البحث، يلزم التنظيم لبناء الأمة الديمقراطية. هذا من ناحية التسليح وكذلك من ناحية المجتمع. هكذا هي الحماية.

لناتي بمثال الجرثوم الذي يدخل إلى جسم الإنسان، إذا كان الجر ثوم قوياً عندها يمرض الإنسان، ولكي لا يمرض يستخدم الأدوية لحماية ووقاية جسمه ضد المرض، بذلك يقاوم جسم الإنسان ويصبح أكثر مناعتهً. إذا لم يقاوم الجسم ضد الجراثيم عندها يمرض. بإمكاننا أخذ جسم الإنسان كمثال للأمة الديمقراطية. الجسم السليم تتم بحمايته. والحماية الذاتية هي كتلقيح، كدواء يقوي جسم الإنسان ويزداد أكثر مناعتهً. مرة أخرى أقول الدفاع الذاتي مهم جداً. ليس هناك حيوان وليس له نظام حماية. مرة أخرى أقول، الحماية لا يترك لأحد. هناك الدول التي تقوم بالحماية باسم المجتمع، والجيش موجود لأجل الدولة ليس لأجل المجتمع، يقوم بحماية المجتمع باسم المجتمع واضعاً هذا كاحتكار في يدها بذلك تصبح قوة يتحكم بالمجتمع. مهما كان المجتمع ديمقراطياً، الحماية وظيفة ولا يترك لأحد.

هل يستطيع أحد ما أن يأكل بدلاً عن الآخر؟ لا. هل يمكن لأحد ما التكاثر بدلاً عن الآخر؟ طبعاً لا. إذاً لا أحد يستطيع أن يقوم بوظيفة الحماية بدلاً عن الآخر. يجب أن تكون قيمة النمو والحماية مساوياً. يجب أن تكون قيمة التكاثر والحماية مساوياً. يجب التقرب على هذا الأساس، وأن نكون مع التجديد دائماً، وان نعرف دورها التاريخي والاجتماعي. بهذا الصدد تظهر أخطاء ونواقص كثيرة، مثلاً يقولون ليأتي الكريلا ويحمينا. حسناً. وظيفة الكريلا الأساسية هي الحماية، عندما يتم هجوم على شعبنا، وظيفة الكريلا هي حماية الشعب، هذا صحيح ولكن يجب على الشعب حماية نفسه بنفسه. ترك حمايته للكريلا فقط شيء غير صحيح. إذا كان هكذا، كيف باستطاعة عشرة ألاف كريلا أن يحمي كردستان؟ في وقتنا الحاضر هناك حربٌ بِامتداد ألف وخمسمائة كيلو متر في كردستان، كيف لعشرة ألاف كريلا أن يحميها. هناك هجمات داعش بدءً من روج آفا، شنكال، مخمور إلى كركوك والموصل، أيضاً هجمات حزب الله في شمال كردستان. كيف لعشرة ألاف كريلا أن يحمي كل هذه المنطقة الواسعة. لذا على جميع المناضلين والوطنيين والأشخاص، وعلى كل من يقول أنا إنسان وأريد أن أعيش، يجب أن يتسلح بالفكر والتنظيم ويقوم بوظيفة الحماية. لكي يحمي نفسه من هذه الجراثيم التي تسبب الأمراض المعدية .

زر الذهاب إلى الأعلى